وكالة قاسيون للأنباء
  • الجمعة, 9 مايو - 2025

لبنان يتسلم وثائق تاريخية من فرنسا لترسيم الحدود مع سوريا

بيروت: في خطوة واعدة نحو حلحلة ملف شائك ظل يؤرق العلاقات اللبنانية السورية لعقود، أعلن وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجي، عن تسلمه مجموعة من الوثائق والخرائط التاريخية القيّمة من الأرشيف الفرنسي، والتي تعود لفترة الانتداب الفرنسي على كلا البلدين، وتتعلق بتحديد الحدود البرية بين لبنان وسوريا.

وأكدت وزارة الخارجية اللبنانية في بيان رسمي أن الوزير رجي استقبل في مقر الوزارة سفير فرنسا لدى لبنان، هيرفيه ماغرو، حيث قام السفير بتسليم الوزير نسخة من الوثائق والخرائط التاريخية المحفوظة في الأرشيف الفرنسي، والتي تتناول بشكل خاص الحدود اللبنانية – السورية.

وأوضح البيان أن هذا التسليم يأتي استجابة لطلب رسمي تقدم به لبنان، وتفعيلاً للوعد الذي قطعه الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لرئيس الجمهورية اللبنانية، العماد جوزاف عون، خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الفرنسية باريس. وأكد البيان أن "تزويد لبنان بهذه الوثائق والخرائط من شأنه أن يساهم بشكل فعال في عملية ترسيم الحدود البرية مع الجمهورية العربية السورية".

وتأتي هذه الخطوة في أعقاب سلسلة من الجهود الدبلوماسية والاجتماعات الأمنية الرفيعة المستوى التي تهدف إلى معالجة ملف الحدود المتنازع عليها بين البلدين. وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد أشار خلال زيارة الرئيس عون إلى باريس إلى وجود تعاون قائم بين الجانبين حول هذا الملف، وأن هناك عملاً جارياً على مستوى الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.

وفي سياق متصل، استضافت مدينة جدة السعودية في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس الماضي اجتماعاً أمنياً رفيع المستوى جمع بين وزيري دفاع سوريا ولبنان، تم خلاله توقيع اتفاق مهم بشأن ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني بين البلدين. وجاء هذا الاتفاق عقب اشتباكات عنيفة وقعت في وقت سابق من الشهر نفسه بين الجيش السوري ومجموعات مرتبطة بـ"حزب الله" على طول الحدود.

وعلى الرغم من أن اتفاق جدة لا يمثل ترسيماً نهائياً ومباشراً للحدود، إلا أنه يعتبر خطوة تمهيدية حاسمة، حيث تم بموجبه الاتفاق على تشكيل لجان قانونية وفنية مشتركة وتفعيل آليات التنسيق لمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة، بالإضافة إلى العمل على ترسيم الحدود المتنازع عليها.

ويعتبر ملف ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان من الملفات العالقة التي ظلت تؤرق العلاقات بين البلدين منذ استقلالهما عن الانتداب الفرنسي في الفترة ما بين عامي 1920 و 1946. وقد تسببت هذه القضية في نشوب العديد من التوترات الدبلوماسية والاشتباكات المسلحة بين البلدين، فضلاً عن المشاكل المتعلقة بالتهريب عبر الحدود.

وترجع جذور هذه المشكلة إلى فترة الانتداب الفرنسي، حيث قامت السلطات الفرنسية بتقسيم مناطق البلدين وفقاً لسياساتها الاستعمارية، ورسمت ما أسمته آنذاك "دولة لبنان الكبير وسوريا"، مما أدى إلى تداخل الحدود ونشوء الخلافات التي لم تفلح اللجان المشتركة من الجانبين في إيجاد حلول جذرية لها.

وتأمل الحكومة اللبنانية أن تسهم الوثائق والخرائط الفرنسية التي تم تسلمها في مساعدة لبنان وسوريا على ترسيم حدودهما بشكل دقيق ونهائي، وبالتالي إنهاء عقود طويلة من الخلافات والمنازعات مع دمشق.

وتتكون الحدود السورية اللبنانية من تضاريس متنوعة تشمل جبالاً وأودية وسهولاً، وغالباً ما تفتقر إلى العلامات والإشارات الواضحة التي تدل على الحد الفاصل بين البلدين. ويرتبط البلدان بستة معابر حدودية برية تمتد على طول حوالي 375 كيلومتراً.

وتعتبر منطقة مزارع شبعا من أبرز المناطق المتنازع عليها بين سوريا ولبنان، حيث بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية بعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، باعتبارها أراضٍ سورية، بينما تصر بيروت على أنها أراضٍ لبنانية.

بالإضافة إلى ذلك، توجد خلافات على مناطق أخرى مثل القموعة والعديسة ومناطق في بعلبك الهرمل شرقي لبنان، وذلك بسبب عدم وضوح المعالم الحدودية في هذه المناطق. وتسعى الحكومة اللبنانية، بالتعاون مع نظيرتها السورية، إلى معالجة هذه الخلافات والتوصل إلى حلول توافقية تضمن حقوق كلا البلدين وتحقق الاستقرار والأمن على طول الحدود المشتركة.