الدفاع المدني السوري والمديرية العامة للآثار والمتاحف يوقعان اتفاقية لحماية التراث الثقافي

دمشق - وكالة قاسيون: في خطوة تهدف إلى صون الإرث الثقافي السوري وحمايته من التهديدات المتزايدة، وقع "الدفاع المدني السوري" والمديرية العامة للآثار والمتاحف، أمس الأربعاء، اتفاقية تعاون استراتيجية تمتد لعامين. وتأتي هذه الاتفاقية في ظل ظروف استثنائية تواجهها المواقع الأثرية في سوريا، والتي تتراوح بين آثار النزاع المسلح والكوارث الطبيعية، وصولاً إلى تفاقم ظاهرة التنقيب غير الشرعي التي تهدد بتدمير تاريخ البلاد وهويتها.
تركز الاتفاقية على تنسيق الجهود بين الطرفين في عدة مجالات حيوية، تتصدرها إزالة الألغام ومخلفات الحرب من المواقع الأثرية، وهي مهمة بالغة الأهمية لضمان سلامة العاملين في المواقع والسياح والزوار على حد سواء. كما تهدف الاتفاقية إلى تحسين إجراءات السلامة العامة في هذه المواقع، من خلال تدريب الكوادر وتوفير المعدات اللازمة للتعامل مع المخاطر المحتملة.
وتشمل بنود الاتفاقية أيضاً تطوير آليات الاستجابة السريعة خلال الطوارئ والكوارث، لضمان التدخل الفوري والفعال في حالات الطوارئ التي قد تهدد المواقع الأثرية، سواء كانت حرائق أو فيضانات أو زلازل أو غيرها. ويتضمن ذلك وضع خطط طوارئ تفصيلية وتدريب فرق متخصصة للتعامل مع هذه الحالات.
حيث أكد مسؤول في "الدفاع المدني السوري" التزام المنظمة ببذل أقصى الجهود لدعم حماية الإرث الثقافي السوري، واعتبر الحفاظ عليه مسؤولية جماعية تجاه الأجيال القادمة، وركيزة أساسية لصون الهوية الوطنية. وأشار إلى أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف، وأن "الدفاع المدني" سيضع كافة إمكانياته وخبراته في خدمة حماية التراث الثقافي.
التنقيب غير الشرعي: تهديد وجودي للتراث السوري
تكتسب هذه الاتفاقية أهمية خاصة في ظل تصاعد التهديدات التي تواجهها المواقع الأثرية في سوريا، وعلى رأسها ظاهرة التنقيب غير الشرعي التي تفاقمت بشكل ملحوظ، خاصة بعد سقوط النظام المخلوع في كانون الأول الماضي. وتستغل عصابات منظمة الفوضى الأمنية وضعف مؤسسات الحماية لنهب الآثار وتهريبها إلى الخارج، مما يشكل خطراً داهماً على هذا الإرث الثمين.
وفي تصريحات سابقة لموقع "تلفزيون سوريا"، كشف المدير العام للآثار والمتاحف نظير عوض عن حجم الكارثة التي تواجه التراث السوري، مؤكداً أن الأمن العام ضبط عدداً كبيراً من القطع الأثرية في منازل شخصيات متنفذة ورجال أعمال مقربين من النظام المخلوع، حصلوا عليها من خلال عمليات تنقيب غير قانونية. وأوضح أن تهريب هذه القطع إلى الخارج جرى بتسهيل من ضباط في الجيش وأجهزة النظام الأمنية، في حين سلّم بعض العناصر العسكريين والشرطيين قطعاً أخرى للمديرية.
وحذر عوض من أن استخدام الآليات الثقيلة وأجهزة كشف المعادن خلال التنقيب يسبب تدميراً مباشراً لطبقات أثرية ويطمس معلومات تاريخية لا يمكن تعويضها. وأشار إلى أن هذه الأساليب المدمرة تؤدي إلى فقدان السياق الأثري للقطع المنهوبة، وتجعل من المستحيل فهم تاريخها وأهميتها بشكل كامل.
دعوات للسيطرة على الفوضى وتفعيل التعاون
شدد المدير العام للآثار والمتاحف على ضرورة الحد من هذه الكارثة عبر السيطرة على ظاهرة التنقيب غير الشرعي، مؤكداً بأن الوضع بعد التحرير "كارثي" بسبب غياب المؤسسات الأمنية، وعدم توفر العدد الكافي من عناصر الأمن العام للسيطرة على تلك الظاهرة المُستعرة في كل الأماكن.
وأكد عوض على أهمية عمليات التنسيق والتعاون مع الإدارة الجديدة، بهدف تعزيز الأمن وحماية المواقع الأثرية، وتفعيل القوانين التي تجرم التنقيب غير الشرعي والاتجار بالآثار. ودعا إلى ضرورة توفير الدعم المالي واللوجستي للمديرية العامة للآثار والمتاحف، لتمكينها من القيام بمهامها في حماية التراث الثقافي السوري.
وتأتي اتفاقية التعاون بين "الدفاع المدني السوري" والمديرية العامة للآثار والمتاحف كخطوة أولى نحو تفعيل هذه الجهود، وتعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل حماية الإرث الثقافي السوري وصونه للأجيال القادمة. ويبقى التحدي الأكبر هو السيطرة على الفوضى الأمنية وتفعيل القوانين وتوفير الدعم اللازم، لضمان نجاح هذه الجهود وحماية التراث السوري من التدمير والنهب.