وكالة قاسيون للأنباء
  • الأربعاء, 28 مايو - 2025

إلهام أحمد تهدد بـحرب أهلية في سوريا إذا لم تُلبَ مطالب الإدارة الذاتية

في تصريح يُعد الأخطر من نوعه منذ توقيع اتفاق آذار 2025 بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، لوّحت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة للجنة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بـ"اندلاع حرب أهلية" إذا لم تستجب الحكومة السورية لمطالب تكريس نظام لا مركزي يضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع السوري. جاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر دولي حول "القضية الكردية" أقيم في اليونان، حيث لم تتردد أحمد في اتهام القائمين على الحكم في دمشق باتخاذ قرارات فردية تتجاهل إرادة الشعب، وفق تعبيرها.

وأضافت أحمد أن سوريا تقف على مفترق طرق خطير، محذرة من أن استمرار "القرارات الفردية" دون مشاركة حقيقية لمختلف الأطياف السورية سيؤدي إلى أزمة أعمق قد تدفع البلاد نحو التصعيد الداخلي والصراع الأهلي. وأكدت أن الحل يكمن في اعتماد نظام ديمقراطي لا مركزي يعكس التعددية السورية، مشيرة إلى أن تجاهل مطالب الإدارة الذاتية وشركائها سيُقوّض فرص الاستقرار السياسي والأمني ويعيد البلاد إلى مربع الانقسام.

محاولة لتعطيل الاندماج أم إحياء لمشروع الفدرلة؟

تأتي تصريحات أحمد في وقت تشهد فيه سوريا تقدماً ملحوظاً في تنفيذ اتفاق دمشق-قسد، الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي في 11 مارس 2025، والذي ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية ضمن إطار الدولة السورية. واعتبر مراقبون سياسيون أن تصريحات أحمد محاولة واضحة لتوتير الأجواء السياسية وتعطيل مسار الاندماج في لحظة دقيقة تشهد فيها سوريا بوادر استقرار فعلي، بعد رفع العقوبات الدولية، وتطبيع العلاقات السورية-الأمريكية، ولقاء الرئيسين السوري والأمريكي في الرياض.

المفارقة أن إلهام أحمد، التي تتحدث باسم لجنة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، لا تمثل جهة معترف بها دستورياً أو شعبياً على نطاق واسع، بل تُصر على تسويق نموذج الإدارة الذاتية كأمر واقع يجب على الحكومة السورية قبوله، مهددة بـ"حرب أهلية" في حال عدم الاستجابة لمطالبها. ويرى محللون أن هذه التصريحات تعكس محاولة لبعض التيارات داخل قسد لإعادة إحياء مشروع "روجآفا" الانفصالي، رغم التزام قسد باتفاق دمشق.

موقف دمشق: لا مكان للتقسيم

في المقابل، كان الموقف الرسمي لدمشق واضحاً وحاسماً. فقد حذر الرئيس السوري أحمد الشرع، في بيان رئاسي صدر الشهر الماضي، من أي محاولات لفرض "واقع تقسيمي" أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفدرلية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل. وأعرب الشرع عن "بالغ القلق" إزاء ممارسات تشير إلى توجهات لتغيير ديموغرافي في مناطق سيطرة قسد، معتبراً أن هذه الممارسات تهدد النسيج الاجتماعي السوري وتُضعف فرص الحل الوطني.

وأضاف البيان الرئاسي أن تعطيل عمل مؤسسات الدولة في مناطق سيطرة قسد، وتقييد وصول المواطنين إلى الخدمات، واحتكار الموارد الوطنية خارج إطار الدولة، يُسهم في تعميق الانقسام وتهديد السيادة الوطنية. وأكد أن "قيادة قسد لا يمكنها الاستئثار بالقرار في شمال شرق سوريا، حيث تتعايش مكونات أصيلة كالعرب والكرد والمسيحيين وغيرهم، فمصادرة قرار أي مكون أمر مرفوض".

وزير الدفاع: خطوات جادة لتوحيد السلاح

من جهته، أكد وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، في مقابلة متلفزة، أن "لا مكان لأي جهة مسلحة خارج سلطة الوزارة". وأوضح أن الوزارة نجحت خلال الأشهر الماضية في التواصل مع نحو 130 فصيلاً عسكرياً في سوريا، ودمجها تحت مظلة الجيش السوري ضمن رؤية موحدة تهدف إلى حصر السلاح بيد الدولة. وأشار إلى أن إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وصلت إلى "مراحل متقدمة"، مع التركيز على بناء جيش وطني محترف يتبنى عقيدة عسكرية جديدة ترتكز على حماية الشعب وسيادة البلاد.

ولفت أبو قصرة إلى أن مهلة العشرة أيام التي أُعطيت للفصائل المسلحة للاندماج مع الجيش لا تشمل شمال شرق سوريا، نظراً لوجود "اتفاق مختلف" يخص ملف قسد، سيتم تنفيذه وفق التوجه العام لوزارة الدفاع. ويُنظر إلى هذا التصريح كمحاولة لتهدئة التوترات مع قسد، مع الحفاظ على موقف صلب ضد أي محاولات لتكريس واقع منفصل.

سياق حساس وتحديات مستمرة

تأتي هذه التطورات في سياق حساس، حيث تسعى سوريا إلى استعادة استقرارها بعد سنوات من الحرب. ومع رفع العقوبات الدولية وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، يرى مراقبون أن تصريحات إلهام أحمد قد تعكس محاولة للضغط على دمشق لتحقيق مكاسب سياسية في إطار المفاوضات الجارية. لكن في الوقت ذاته، تُظهر هذه التصريحات وجود انقسامات داخل قسد نفسها بين تيار يتمسك بمشروع الفدرلة وآخر ملتزم باتفاق دمشق.

ويبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن سوريا من تجاوز هذه التوترات واستكمال مسار الاندماج الوطني، أم أن تصريحات مثل تلك التي أطلقتها أحمد ستُعيد البلاد إلى دوامة الصراع؟ الإجابة تعتمد على قدرة الأطراف على الالتزام بالحوار الوطني والتوافق على رؤية مشتركة تحفظ وحدة البلاد.