بين مطرقة الفتنة وسندان الواقع: نداء من شيخ العقل حول سوريا ومستقبل الدروز

بيروت: في تطور لافت يحمل في طياته رسائل متعددة الأبعاد، أطلق شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز في لبنان، الشيخ سامي أبي المنى، تحذيراً مدوياً حيال الأوضاع في سوريا، واصفاً ما جرى بأنه "مشروع فتنة" يستهدف المنطقة بأسرها. هذه التصريحات، التي جاءت خلال لقاء موسع مع سفراء عرب وأتراك في دار الطائفة في بيروت، لم تكتف بتشخيص الداء، بل قدمت رؤية شاملة تتجاوز الحدود الجغرافية، محملةً المجتمع الدولي مسؤولية تاريخية في منع الانزلاق نحو المجهول.
الشيخ أبي المنى، وبلهجة حازمة وواضحة، دعا إلى "تفادي التصعيد والانجرار إلى النزاع"، موجهاً نداءً خاصاً للدروز في سوريا بـ"الاحتكام للعقل والتعاون مع باقي السوريين ومع الحكومة السورية". هذا النداء، الذي يأتي في ظل ظروف إقليمية بالغة التعقيد، يطرح تساؤلات حيوية حول مستقبل الوجود الدرزي في سوريا، وموقعه في خريطة التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.
وفي خطوة قد تثير جدلاً واسعاً، وصف الشيخ أبي المنى الحكومة السورية الجديدة بأنها "تخوض تجربة استعادة الدولة وبناء المؤسسات"، داعياً إلى "إعطاء الإدارة الجديدة فرصة لبناء الثقة في المجتمع وتحقيق العدالة والمساواة". هذا التصريح، الذي يحمل في طياته دعوة ضمنية إلى منح الفرصة للمسار السياسي، يفتح الباب أمام نقاشات معمقة حول جدوى الرهان على الإصلاح من الداخل في ظل الأوضاع الراهنة.
إلى جانب ذلك، أكد الشيخ أبي المنى على "رفض محاولات تصوير الدروز كدين مستقل أو قومية منفصلة"، مشدداً على أنهم "عشيرة معروفية إسلامية عربية أصيلة"، وأنهم "جزء من الأمة الإسلامية، ومرتبطون بعلاقة تاريخية مع أهل السنة في سوريا ولبنان والعالم الإسلامي". هذا التأكيد، الذي يأتي في سياق محاولات تقسيم وتفتيت المنطقة على أسس طائفية، يمثل رسالة قوية ضد الخطاب التحريضي الذي يهدف إلى زرع بذور الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
وفي موقف حازم، اعتبر الشيخ أبي المنى التسجيل المسيء للنبي الكريم "مرفوضاً"، لكنه شدد على ضرورة ألا تؤدي هذه الإساءة إلى "ردات فعل غرائزية أو تعصّب أعمى" بين السوريين، محذراً من استغلال هذه الحوادث لتأجيج الصراعات الطائفية.
التحذيرات لم تتوقف عند حدود سوريا، بل امتدت لتشمل لبنان، حيث حذر الشيخ أبي المنى من أن استمرار التوتر في سوريا قد ينعكس سلباً على لبنان، مؤكداً أنه عمل خلال الأيام الماضية على تهدئة الشارع وتجنب التصعيد بين الموحدين الدروز واللاجئين السوريين في لبنان.
وفي ختام تصريحاته، أعرب الشيخ أبي المنى عن أمله في تدخل عربي وإسلامي ودولي سريع لضبط الوضع ومنع المخططات المشبوهة والخطاب التحريضي، ومواجهة أي مخطط لضرب السوريين وأبناء المذاهب الإسلامية بعضهم ببعض.
تصريحات الشيخ أبي المنى، التي تحمل في طياتها رؤية عميقة للأوضاع في المنطقة، تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل سوريا، ومصير الأقليات، ودور القوى الإقليمية والدولية في رسم ملامح المرحلة القادمة. فهل ستجد هذه النداءات صدى لدى المعنيين، أم أن المنطقة مقبلة على المزيد من التصعيد والنزاعات؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.