وكالة قاسيون للأنباء
  • الجمعة, 29 مارس - 2024

هل تحولت أوكرانيا الى برميل بارود بين الناتو وموسكو ؟*

هل تحولت أوكرانيا الى برميل بارود بين الناتو وموسكو ؟*

قاسيون ـ علي تمي

لماذا أوكرانيا ؟

أوكرانيا تشكل اليوم ثاني أكبر دول أوروبا الشرقية بعد روسيا الاتحادية ، وهي عضو في رابطة الدول المستقلة ،وإحدى أكبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً .

 تمتلك أوكرانيا اليوم موقعاً إستراتيجياً هاماً حيث يقع جزء منها ضمن شبه جزيرة القرم، ويمتد حدودها حتى أوروبا وتحديداً بولندا ، ومعظم أراضيها تقع ضمن القارة الأوروبية.

الإستراتيجية العسكرية لأوكرانيا

تعمل أوكرانيا اليوم على استعادة شبه جزيرة القرم بعد أن ضمّتها روسيا الإتحادية إلى أراضيها ، عقب الاستفتاء الذي أجرته موسكو من جانب واحد في شبه الجزيرة في مارس 2014، دون اكتراث بالقوانين الدولية وحقوق الإنسان ، وهذا ما يرفضه "الناتو " جملة وتفصيلاً ، ولدى أوكرانيا جيش قوي يتمتع بقدرات قتالية قوية وعالية ، ويبلغ تعداده اليوم 256 ألف جندي بعد أن تم إعادة تأسيسه في 1991 عقب تفكك الاتحاد السوفياتي ،وشارك هذا الجيش في غزو العراق (2003) إلى جانب الجيشين الأمريكي والبريطاني ، وحالياً هذه القوات على شفير حرب باردة مع روسيا بسبب غزوها لشبه جزيرة القرم ،وكذلك بسبب تدخلاتها السياسية في جنوب شرق أوكرانيا، ولدى الأخيرة أيضاً ترسانة نووية لكنها لم تعلن عنها حتى الآن .

ما هي العلاقة بين أوكرانيا والوضع في سوريا ؟

يبدو أن تغلغل الجيش الروسي في سوريا ،والتوجه شمالاً للوصول إلى الحدود الجنوبية للناتو ،وقرع طبول الحرب من البوابة السورية ، وضعت المنطقة على شفير من الحرب ، وبدأ الجميع يعد العدّة تحضيراً للمعركة الكبرى ،والتي يسميها المراقبون بمعركة (كسر العظم ) بين الناتو وروسيا ، وبالتالي تمركز الجيش الروسي على حدود الناتو الجنوبية داخل سوريا ، وضع الغرب في حالة التأهب والقلق ،وخاصة بسبب قرب هذه القوات من قاعدة "إنجرليك " الجوية التي تحتوي على العشرات من الصواريخ التي تحمل الرؤوس النووية ، ومن هنا بدأ "الناتو " بالتحرك ، فتركيا أخذت دور رأس الحربة لأنها المعنية الأولى بهذا التصعيد والتطورات المتلاحقة في المنطقة ، فأولى خطوات هذا التحرك كان دعوة الرئيس الأوكراني ( فولوديمير زيلينسكي) إلى أنقرة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقيات المشتركة ،لردع موسكو ومنعها من زعزعة الأمن والاستقرار في شبه جزيرة القرم والشرق الأوسط.

قرع طبول الحرب من جديد بين موسكو والناتو .

الرئيس الأوكراني نزل في مطار أنقرة وفرش له السجاد الأحمر وقدم له باقة من الورد ، وفي حقيبته الكثير من الملفات العالقة والشائكة التي تهم الجانبين ، لرسم إستراتيجية جديدة و لتحريك ملف شبه جزيرة القرم ومحاولة إعادة ضمّها من جديد إلى أوكرانيا ، وأثناء جلوسه على الطاولة المستديرة في وجه أردوغان ، لم يطلب "زيلينسكي" من أنقرة دعم بلاده بالأسلحة والطيران المسيّرة فحسب كما فعلت في أذربيجان خلال معارك إقليم ( ناغورني كاراباخ ) ، بل ذهب الى أبعد من ذلك ، مطالباً خلال لقائه الزعماء الأتراك بالشراكة الحقيقية والانضمام إلى الناتو ، بالإضافة إلى توقيع عدد من اتفاقيات التعاون والدفاع المشترك ، و تبادل المعلومات الاستخباراتية ، كما أكدت الوثيقة الموقعة بين أنقرة وكييف على التعاون في تنفيذ مشروعات مشتركة لبناء السفن الحربية، والطائرات الحربية بدون طيار، وجميع أنواع المحركات التوربينية ، كل هذه التحركات جعلت من ( أوكرانيا ) - برميل بارود -ووضعتها على حافة الهاوية ، بالأصل تشهد العلاقات فيما بين كييف وموسكو توتراً شديداً بسبب زيادة تواجد الناتو العسكري بالقرب من الحدود الروسية، الأمر الذي تعتبره موسكو خرقاً للوثيقة الأساسية للعلاقات الثنائية مع الحلف ، وإذا تعمقنا أكثر في قراءة ما بين السطور حول هذا المشهد والتصعيد القائم في شبه جزيرة القرم ،نجد أن أنقرة تحاول الحصول على ورقة إضافية لرفعها في وجه موسكو إن تجاوزت الخطوط الحمر في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع قسد في شرق الفرات وإدلب وتل رفعت وما حولها داخل سوريا .

ماذا يريد الغرب من موسكو ؟

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبيرغ " دعا روسيا إلى إنهاء حشدها العسكري فوراً على الحدود الأوكرانية ، مضيفاً أن الحشد العسكري الروسي (على الحدود الأوكرانية) "غير شرعي وغير مفهوم ومثير للقلق" ، رافضاً الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم ، مؤكداً دعم الحلف لسيادة أوكرانيا على شبه الجزيرة ووحدة أراضيها ، من جهتها حذرت موسكو حلف شمال الأطلسي (ناتو) من إرسال قوات لمساعدة أوكرانيا، وان روسيا سوف تتخذ "إجراءات إضافية" إذا أقدم الناتو على مثل تلك الخطوة، بينما واشنطن ولندن تطالبان على الدوام روسيا بـ"خفض التصعيد" حول أوكرانيا ودعمهم " لسيادة أوكرانيا لا يزال ثابتاً" ، من جهة أخرى ، فرضت واشنطن عقوبات على 32 شخصية وكياناً روسياً " لقيادتهم التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، من بينهم أشخاص عاملون في قطاعات التكنولوجيا والدفاع والاقتصاد ، وشمل القرار طرد 10 دبلوماسيين روس بينهم ممثلون عن أجهزة المخابرات الروسية في واشنطن ، بينما الكرملين أعلن أن الاتحاد الأوروبي ليس شريكاً وثيقاً في الوقت الراهن لأنه قرر قطع العلاقات مع روسيا، وتم احتجاز القنصل الأوكراني في سان بطرسبورغ عندما تلقى معلومات ذات طبيعة سرية خلال لقاء مع أحد مواطني روسيا.

أما الخارجية الصينيّة فقد استدّعت السفير البريطاني في وقت سابق للاحتجاج على فرض عقوبات على خلفية إقليم شينغ يانغ

.

الخلاصة : تواجد الجيش الروسي وتغلغله داخل سوريا ومحاولة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية ،والعمل على تشكيل تحالف عربي ( الأردن ، العراق ، مصر ) انتقاماً من أنقرة وتل أبيب ، و لخلط الأوراق في الشرق الاوسط ، ومن ثم تطوير العلاقة مع طهران وخاصة فيما يتعلق ببرنامجها النووي، والتوجه شرقاً نحو الصين وكوريا الشمالية وكوبا ، وتحريك جميع هذه الملفات في وقت واحد دفعت بالناتو إلى التحرك والاستنفار لوقف هيمنة الدب الروسي على مفاصل القوة في العالم ، ولم يأتِ وصف الرئيس الأمريكي "جون بايدن " بوتين ب" القاتل " من فراغ، لأنه بات يعلم جيداً أن الأخير يلعب بالنار و بالتوازنات الاستراتيجية التي خلفتها الحرب الباردة بين المحورين المتصارعين على قيادة العالم ، فالناتو لن يسمح للروس بالسيطرة على البحار الثلاثة ، والتحرك نحو أوكرانيا لن تكون جولة سياحية بالنسبة لموسكو ، فمحاولة عبور سفينتين حربيتين امريكيتين إلى البحر الأسود من مضيق بوسفور وتراجع واشنطن عنه فيما بعد ، على خلفية التصعيد الجاري بين روسيا وأوكرانيا، ما هي إلا رسالة مشفّرة لموسكو مفادها ( تعقّل) . فشهر العسل بين أنقرة وموسكو حسب المعطيات الموجودة على الأرض شارف على الانتهاء ، وخاصة بعد فرض الأخيرة قواعد جديدة في حرب ( ناغورني كراباخ ) لصالح أذربيجان وكسر شوكة أرمينيا الحليفة القوية لموسكو في شبه جزيرة القرم، وفرض واقع جديد في ليبيا لصالح الحكومة الشرعية ، وكل هذه الأحداث والتطورات جعلت من أوكرانيا ( برميل بارود ) يمكن أن ينفجر في أية لحظة لتمتد شرارتها إلى إقليم الأيغور في الصين والروهينغا في بورما وإلى التايوان وحتى إيران واليمن ، وما إعلان واشنطن بسحب او نشر قواتها من أفغانستان إلا بداية واستعداد لمواجهة محتملة مع موسكو وداخل ساحتها ومياهها الإقليمية ، ومحاولة التنين الصيني والدب الروسي التنسيق فيما بينهما داخل أروقة مجلس الأمن للهيمنة على العالم و التحكم بالمضائق التجارية العالمية واللعب بالاقتصاد الدولي من خلال المساهمة في نشر فايروس (كورونا ) سيء الصيت في أصقاع الأرض، كل ذلك من أجل خلق واقع جديد في التوازنات الدولية القائمة منذ أزمة صواريخ كوبا (1962) ، وهذا ما لن تقبل به واشنطن ولندن ، وحتى لو كلفتهم خوض حرب عالمية ثالثة .